استطلاع فلسطيني: الضفة الغربية الأكثر رفضًا لنزع سلاح حماس من غزة
أظهر استطلاع جديد للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (PCPSR) تباينًا ملحوظًا في آراء الفلسطينيين بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
كشفت النتائج عن تداخلٍ واضح بين المعرفة بخطة ترامب، وطريقة عرضها، والمواقف السياسية السائدة، لتقدّم صورة متعدّدة الأبعاد حول نظرة الشارع الفلسطيني لاحتمالات الحلول السياسية ومستقبل الدولة الفلسطينية.
نسبة الاطلاع على خطة ترامب واستقطاب الموقف
كشف الاستطلاع أن ما يقرب من سبعة من كل عشرة فلسطينيين قد سمعوا بـ«خطة ترامب».
وعند عرضها بصيغة «عربية / إسلامية» مواتية، انقسمت الآراء تقريبا: 47٪ مؤيدون مقابل 49٪ معارضين.
لكن هذا الرقم يخفي تفاوتا واضحا بين المناطق، ففي قطاع غزة، نحو 60٪ يؤيدون الخطة، بينما في الضفة الغربية تُعارضها نسبة مماثلة، كذلك، التأييد أعلى بين من لديهم اطلاع مسبق على الخطة (50٪) مقارنة بمن لم يُطلع عليها (حوالي 40٪).
وهذا يظهر أن الشكل الذي تُعرض به الخطة والتأطير الإعلامي والسياسي المحيط به يُؤثران بشكل كبير على الموقف، وأن الفجوة الجغرافية بين غزة والضفة ما زالت تلعب دورا مركزيا في تحديد ردود الفعل.
ردّ حماس وخطّ أسود ضد نزع السلاح
رغم التباين في مواقف الخطة، ثمة إجماع نسبي على أن أغلبية الفلسطينيين تؤيد ردّ حماس على الخطة، بما في ذلك موافقتها على قائمة تبادل أسرى حصلت عليها الحركة.
لكن التأييد هذا يرافقه خطّ أحمر ثابت: حوالي 70٪ من الفلسطينيين ـــ بينهم نحو 80٪ بالضفة و55٪ بغزة ـــ يعارضون بشدة نزع سلاح حماس حتى لو كان هذا شرطاً لإنهاء الحرب.
وهذا ما يضع قيدا جوهريا على أي ترتيبات لما بعد الحرب، إذ يبدو أن الجمهور لن يقبل بأن تُفرض عليه حلول تُفقد «سلاح الحركة» كشكل من أشكال الضمان المحلي أو كأحد أركان المناورة الداخلية.
تباين في التوقعات بشأن مستقبل الخطة
أظهرت نتائج الاستطلاع أن غالبية الفلسطينيين (حوالي 70٪) لا يتوقعون أن تؤدي الخطة إلى قيام دولة فلسطينية خلال السنوات الخمس المقبلة، فيما يرى أكثر من 60٪ أن تحقيق السلام الكامل ما زال يحتاج إلى مزيد من الجهود.
وتبرز هذه النظرة بحذر أكبر في الضفة الغربية، حيث يميل المشاركون إلى اعتبار أن التوترات قد تستمر.
وفي غزة، تبرز بعض النفحات التفاؤلية، فسكان القطاع يُبدون ثقّة أكبر بإمكانية إصلاح السلطة الفلسطينية نحو الدولة، بينما ما زال سكان الضفة غير مقتنعين بذلك، وهذه الفوارق تبيّن أن الواقعين المعيشي والسياسي في المنطقتين يشكّلان عاملين مكوّنين في مستوى التفاؤل أو التشاؤم.
ترتيبات “ما بعد الحرب” في غزة
حول كيفية إدارة غزة بعد الحرب، ينقسم الرأي الفلسطيني بشكل عميق، الأغلبية ترفض قيام لجنة من مهنيين غير منتمين سياسياً تحت إشراف دولي لإدارة القطاع، كما هو مقترح في الخطة.
ومع ذلك، تتحول المعارضة إلى دعم واسع عندما يُعاد تأطير الحل إلى “لجنة خبراء فلسطينية بدعم دولي” مع حذف شرط عدم الانتماء السياسي، وهو ما يُقبل أكثر، خصوصا في غزة
.
أما فكرة أن تتولى السلطة الفلسطينية تلقّيا الحكم الكامل أو الشريك في الحكم، فلا تؤيدها سوى نحو ثُلث الجمهور فقط. كذلك، اقتراح دخول قوة عربية مسلحة ليست مقبولة بشكل واسع ـــ نحو 70٪ يعارضونه ـــ خاصة في الضفة.
والمحصلة، أي إعادة ترتيب في الحكم أو الأمن بعد الحرب ستُقابَل بحدّ أدنى من القبول فقط إذا توافرت “شرعية فلسطينية” سواء عبر مشاركة حماس أو عبر ترجمتها في شكل ملموس وليس عبر فرض خارجي.
موقف الحرب وقرار 7 أكتوبر
بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر، وتداعياته العسكرية والإنسانية، تستمر أغلبية الفلسطينيين بدعم قرار الحركة، التباين المكاني هنا واضح، فسكان الضفة أكثر تفاؤلاً من غزّة، حيث أن نحو ثلاثة من كل عشرة في غزة يرون أن إسرائيل قد تتقدم في الحرب.
من جهة أخرى، بلغت نسبة الذين يعارضون نزع سلاح حماس لوقف الحرب نحو 85٪ في الضفة و55٪ في غزة. أيضاً، نسبة الرضا عن حماس تصل إلى نحو 60٪، مقابل حوالي 20٪ فقط للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
الأوضاع الداخلية
في الضفة الغربية، يشعر نحو 85٪ من السكان بعدم الأمان ـــ ارتفاع حاد مقارنة قبل عامين تقريبا، وأكثر من نصف الفلسطينيين يعتبرون السلطة “عبئاً” على الشعب، مقابل حوالي 40٪ يرون أنها مكسب. وعند سؤالهم عن أولويات الحل، أجابوا: إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بمشاركة حماس أولاً، تليها تشكيل حكومة وحدة وطنية بحضور حماس، ومن ثم المصالحة بين فتح وحماس.
كل ذلك يُظهر أن الشرعية الداخلية، عبر الانتخابات والتمثيل، باتت مطلبا أساسيا في الشارع الفلسطيني، أكثر من أي خارجي أو وساطة دولية.
الانتخابات الفلسطينية.. رغبة وشكّ في التنفيذ
يدعم نحو ثُلثي الفلسطينيين إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية خلال عام من وقف إطلاق النار (بما يشمل الضفة والقطاع) — والدعم أعلى في الضفة من غزة، إذ أن بعض الغزيين يفضلون جدولاً زمنياً أقصر، لكن الواقع أن نحو 60٪ لا يعتقدون أن السلطة تخطط فعلاً لإجراء الانتخابات في غضون عام، فقط حوالي ثُلث يتوقع إقامتها.
وعند طرح شرط مسبق من عباس بأن يتعهد المرشحون بقبول التزامات منظمة التحرير الفلسطينية والاتفاقات مع إسرائيل، يرفضه أغلب الفلسطينيين، وخصوصاً في الضفة، وبالنسبة لآلية التصويت في القدس الشرقية، فإن النسبة الأكبر تفضل التصويت عبر الإنترنت، ثم التصويت في الأماكن المقدّسة، وأخيراً نقل الناخبين بالحافلات إلى المناطق الخاضعة للسلطة.
القيادة المستقبلية وتمايز القوى السياسية
تبيّن النتائج أن عدم الرضا عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس آخذ في الارتفاع، فنحو ثلاثة أرباع الفلسطينيين غير راضين عن أدائه، و80٪ يريدونه أن يستقيل، وفي الانتخابات الافتراضية، يحصل عباس على نحو 13٪ فقط من الأصوات.
عملية السلام والتسوية السياسية
يبقى الرأي العام الفلسطيني منقسمًا بشدة حول التسوية السياسية مع إسرائيل، وهناك معارضة طفيفة للحل القائم على دولتين — مستمدّة من الإيمان بأنه لم يعد عمليا بسبب الاستيطان المستمر.
ويتراجع الدعم عندما يُربط حل الدولتين بشروط مثل نزع السلاح، مما يُشير إلى أن السكان باتوا أكثر تشكّكاً في مصداقية المبادرات الخارجية.
ويُعدّ الدعم لتسوية مفصلة قائمة على حلّ الدولتين في غزة أعلى تقريبًا مرتين من الضفة الغربية، وكان هناك توتر حاد حول استراتيجيات إنهاء الاحتلال، وتشير النتائج إلى أن أغلبية كبيرة في الضفة تشعر بعدم الحماية من قبل الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، ويؤيدون نشر شرطة السلطة الفلسطينية للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم.
وتشير نتائج استطلاع الرأي الفلسطيني إلى أن الفلسطينيين اليوم أمام مفترق طريق، بين خطة خارجية توصف بـ«خطة ترامب»، وبين واقع داخلي، ما يعني أن أي تغيير حقيقي في المشهد الفلسطيني يتطلّب تخطيطًا عميقاً، وشرعية داخلية قوية، ومشاركة شعبية فاعلة.