“مئوية مدرسة برقين”.. تكتب شهادات وفاء للمعلمين بعد رحيلهم-الحياة الجديدة
جنين-الحياة الجديدة-عبد الباسط خلف- تشعر المعلمة المتقاعدة إكرام نجيب الخياط بالفخر إثر تكريم والدها والمدير المؤسس لمدرسة برقين بمحافظة جنين، عام 1921، بعد مرور قرن.
وتقول لـ”الحياة الجديدة”، على ضفاف يوم المعلم العالمي: إنها عادت إلى المدرسة بعد 100 عام من تقاعد والدها منها، وحظيت بتكريم استثنائي من مئوية المدرسة، وهو ما فعلته إدارة مدرسة صور باهر بالقدس المحتلة، وكررته مدرسة الطيرة في الداخل المحتل.
وقع خاص
وترى الخياط، التي علمت في عدة مدارس بأحياء رام الله والبيرة وريفها، أن استرداد سيرة والدها ورفاقه المعلمين بعد كل هذا السنوات، كان لها وقع وتقدير خاصين، وهي خطوة أهم من التكريم المادي.
وتشير إلى أنها وشقيقاتها المغتربات يتابعن التكريم والنشر الدوري عن والدهن، وأنشطة المئوية التي تحولت لاحقًا إلى رابطة تجمع الخريجين والخريجات من مدارس البلدة، وتنفذ مبادرات مجتمعية وتطوعية.
وتفيد بأن والدها أبصر النور عام 1903 وتوفي عام 1981، وكان من أوائل مؤسسي الحركة الكشفية في فلسطين، وتنقل بين مدارس القدس وحيفا وجنين.
ويجمع مساعد نائب الرئيس المتقاعد للشؤون الأكاديمية في جامعة النجاح د. على حبايب بين رتبة أستاذ مشارك في العلوم التربوية وتخرجه في مدرسة برقين، التي دخلها عام 1956.
ويعتبر تكريم المعلمين بعد عقود حافزًا ودافعية للمربين اللاحقين ليكونوا على قدر العطاء والاستمرار في الإنجاز والوصول إلى الهدف، خاصة مع استلهام سير كفاح المعلمين السابقين وعصاميتهم.
ويتفاعل حبايب مع الصور والسير الذاتية المتكررة لمعلميه، رغم مرور سنوات طويلة على تخرجه، فيستذكر سيرة الشاعر والمعلم المبدع صالح جرار، ويتأثر بتجارب الأديب سليم أحمد حسن، ويفخر بمعلمه محمود يوسف عبيدي الذي درسه منتصف الخمسينيات.
الرئيسة الأولى
وتعود المربية المتقاعدة، وداد شلبي، التي كانت عضو اللجنة التحضيرية العليا لـ”مئوية برقين” إلى حكايات أول مديرة لمدرسة بنات برقين، الراحلة لبيبة الشيخ ياسين، التي علمتها عام 1957، فقد شاهدت صورتها بعد نصف قرن.
وتنشط الشلبي اليوم في رعاية المدارس وتكريم المعلمات والمعلمين، وتصف التكريم المتواصل بـ “رسالة معنوية مهمة”.
ويشاهد عضو الهيئة الاستشارية للائتلاف والحملة العربية للتعليم، ومنسق تعاونية “تعلم وتعليم الكبار” في جنين، والمربي نسيم قبها، تجربة “مئوية برقين” و”رابطة خريجي مدارس برقين وخريجاتها” منذ فترة.
ويقول إن الجميل في تكريم معلمين بعد 100 عام، تبعث تساؤلات عن الشخصية المكرمة بعد كل هذه السنوات، خاصة في ظل ذاكرة قصيرة، وعدم معرفة غالبية الحاضرين للتربويين الراحلين.
ويرى بأن التكريم بأثر رجعي يوسع “مدارك الفعل المنتج”، ويعمق البحث عن بصمة المربين الحاضرة في السياقين الاجتماعي والتربوي، وترسخ رسالة حضور الذكرى حتى بعد الموت، وتصدر شهادة وفاة عقب الرحيل، ويعطي انطباعًا جميلًا وعمًا عاطفيًا لعائلته الممتدة بصون الجميل من مدرسته.
ويشدد قبها، أن فكرة المنظومة التعليمة قديمًا كانت مختلفة، وتعيد التذكير بأن المعلم سابقًا كان قائدًا اجتماعيًا وسياسيًا وثقافيًا، وليس تربويًا فقط، وانعكس ذلك على التعليم وكان قدوة للطلبة.
المدير الوزير
ويتوقف عضو مجالس أولياء الأمور، والعضو السابق في اللجنة العليا لإحياء “مئوية مدرسة برقين”، محمد صبح، كثيرًا عند سير مديري مدارس برقين ومعلميها.
ويشير إلى المدير الراحل الوزير عبد اللطيف العنبتاوي، ثاني مدير لمدرسة برقين، وشغل منصب وزير المالية، ووزير الأشغال، وعضو مجلس الأعيان الأردني.
ويقول إن استحضار المعلمين عبر مدار 100 عام فعل مهم، أرخ لعراقة مسيرة التعليم ومكانتها خاصة مع وجود أول 4 مديرين لمدرسة في بلدة نائية من نابلس، وأكد على استثنائية المسيرة التربوية، وتاريخ المتعاقبين عليها.
أداة قياس
ويصنف المعلم والعضو السابق في اللجنة العليا لإحياء “مئوية مدرسة برقين”، أحمد جلامنة، التكريم المستمر للمعلمين عبر 10 عقود، بـ”أداة قياس” وثقت حجم الانتماء والمكانة الكبيرة للمعلمين.
ويتوقف عند قامات تربوية درست في بلدته برقين، بينهم من أصبحوا وزراء وأطباء وشعراء وأصحاب مكانة.
ويقول إن أهم تكريم معنوي للمعلم في اليوم العالمي وكل يوم، أن يشاهد المربي نتائج عمله على طلبته.
ووفق الصفحة التفاعلية للمبادرة، فقد أحيت مئوية مدرسة برقين، وجمعت نحو 120 ألف دولار من خريجيها وأعادتها إلى المدرسة، وتحولت لاحقًا إلى رابطة تجمع خريجي مدارس برقين، وتنشط منذ صيف 2021 في تنظيم فعاليات تربوية وتطوعية وتقود حراكًا مجتمعيًا.
سير وبصمات
وتعرض الصفحة سيرة مئات المعلمين والمديرين والمعلمات، منهم إبراهيم سليمان جرار، مدير للمدرسة قبل النكبة، وتعرض روايته “سلمى والوطن”.
والراحل جرار مواليد 1922 في قرية الهاشمية بمحافظة جنين، وقد غادرها في السابعة والتحق بإحدى مدارس حيفا، وكانت ثورة البراق قد اشتعلت في هذه المرحلة، وبدأ بالمشاركة في المظاهرات عام 1933 ضد الانتداب البريطاني.
وانتقل عام 1937 إلى بيروت للالتحاق بالجامعة الأمريكية لدراسة الطب، وبعدها إلى برلين وغادرها إلى بيروت بصعوبة عام 1945، وبعد معارك 1948 خرج من حيفا إلى الناصرة مع عائلته وأصيب في المواجهات مع العصابات الصهيونية وأجريت له عملية جراحية، نقل بعدها إلى السجن، ثم انتهى به المطاف في المهجر، وتوفي هناك.
وبحسب “رابطة خريجي برقين وخريجاتها”، فإن رابع مدير لبرقين نهاية العشرينيات، كان ابن نابلس، الأستاذ حافظ حسن محمود شاهين ( 1897-1977). كما أن المرحوم نافع عزوقة، هو سادس مدير للمدرسة، قد أجاد سبع لغات منها الفارسية والإيطالية والإنجليزية، والتحق بكلية الطب، وتوفي في سبعينيات القرن الفائت.