رياضة

الحكم محمد النجار: الاحتلال قتل حلمي مرتين وصاروخ إسرائيلي شلّ حركتي

0 0
Read Time:5 Minute, 7 Second

رام الله – خليل جاد الله: “تميّزت بين حكام الدوري الفلسطيني بقدرتي العالية على التحمّل، والركض لمسافات طويلة، فقد اتخذّت من الركض هواية قبل دخولي مهنة التحكيم، وبعد سنوات من الجري على الخطوط الجانبية لملاعب كرة القدم، لا أستطيع السير مسافة متر واحد الآن داخل خيمتي الموحشة”.. بهذه الكلمات وصف الحكم الفلسطيني محمد النجار حاله بعد إصابته بشظيّة صاروخ إسرائيلي في الثاني والعشرين من شهر نيسان، منعته من الحركة، وعطّلت الكثير من أحلامه.
“العربي الجديد” التقى النجار وسأله عن ظروفه الحالية بعدما دمّر الاحتلال منزله، وقتل أخته وزوجها وأبناءها السبعة، وعن الكيفية التي يمكن أن يستعيد بها قدرته على المشي، والركض، وعن سرّ سعادته بأيامه الخمسة والأربعين التي قضاها فاقداً للوعي.
* سؤال: من هو محمد النجار وسجله في عالم التحكيم؟
– جواب: أنا الحكم الفلسطيني محمد النجار، أبلغ من العمر 39 عاماً، مواليد مدينة خان يونس، وخريج تربية رياضية من جامعة الأقصى العام 2011. دخلت سلك التحكيم العام 2012، وحصلت على أول دورة حكام في مسيرتي، ومارست المهنة في دورات وبطولات وديّة أقيمت على أرض قطاع غزّة، ثم شاركت في تحكيم أول مباراة رسمية العام 2013، وخلال السنوات الماضية، حضرت معظم الدورات وورش العمل التي نظّمها اتحاد كرة القدم في المحافظات الجنوبية لتطوير الحكام.
* قلت للمقربيّن، إن الاحتلال قتل حلمك الأكبر مرّتين على الأقل.. كيف حدث ذلك؟
– بعد 11 عاماً على دخول عالم التحكيم ومشاركتي في تحكيم مباريات ضمن درجات مختلفة، منها دوري الدرجة الأولى، شاركت في صيف العام 2023 بتحكيم أول مباراة في دوري الدرجة الممتازة، فكان الأمر شبيهاً بحلم تحقق أخيراً، لكنه لم يطل كثيراً، إذ شاركت في تحكيم مباراتين فقط في دوري الدرجة الممتازة، ثم بدأت حرب الإبادة على شعبنا الفلسطيني في السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023، وأثناء الحرب، فقدت الكثير من الأحلام، آخرها إصابتي الحالية التي منعتني من الحركة منذ قرابة 140 يوماً، وبالتالي فقد قتل الاحتلال حلمي الأكبر مرتين.
* صف لنا رحلتك مع النزوح؟
– أنا ابن عائلة محافظة، كانت تتشارك “الحوش” نفسه وتسكن في منازل متجاورة. عائلتي عموماً كانت تمتلك أربعة منازل، ولكن الحرب سلبتنا كل شيء. بعد شهرين من الحرب، اضطررنا للنزوح إلى مدينة رفح باعتبارها ملاذاً آمناً، ولكننا اضطررنا للنزوح منها عودة إلى منازلنا عندما هاجمها الاحتلال، وكرّرنا الأمر سبع مرّات، ذهاباً من منزلنا صوب المناطق الآمنة الممكنة، إلى أن دمّر الاحتلال منازل العائلة كلها في مدينة خان يونس، فأصبحنا دون مأوى حقيقي، واضطررنا للعيش في خيم للنزوح، آخرها الخيم التي نعيش فيها حالياً بمدينة خان يونس، قريباً من منازلنا المدمّرة. العيش في الخيمة مُوحش جداً، ولا يتوفر فيه أي سبب من أسباب الحياة.. الخيمة مُوحشة لأنها حارة جداً في الصيف، وباردة للغاية في الشتاء، ولن تكون بديلاً لمنزلٍ بسقفٍ في أي يوم من الأيام.
* كيف تعرّضت لإصابتك الحالية البالغة؟
– في الثاني والعشرين من شهر نيسان الماضي، كنت أقود دراجة هوائية متجّهاً لشراء بعض الأغراض من أحد المحال التجارية قرب خيمة النزوح التي أوينا إليها، ودون سابق إنذار، أطلق الاحتلال صاروخاً، خلّف أربعة شهداء وإصابة واحدة بالغة، وكانت إصابتي. شظايا الصاروخ القاتل استقرت في جسدي، وأبرز شظيّة استقرّت في المنطقة الخلفية من الرقبة، وأصابت أجزاءً من العمود الفقري، فمنعتني عن الحركة.
في البداية، لم أفهم ما دار حولي لأنني تعرّضت لحالة من فقدان الوعي، استمرّت معي 45 يوماً، حيث كنت ميّتاً سريرياً، وكانت فرصتي للنجاة شبه معدومة، خاصة في ظلّ النقص الحاد في الكوادر والأدوات الطبية، لكن العناية الإلهية أعادتني للحياة من جديد. وجودي في العناية المكثفة كان أكثر فصول قصتي راحةً وسعادة، لأنني لم أكن أعلم ما يجري حولي، ولأنني كنت قد تحصّلت على سرير علاج جيّد، ولكن بعدها اضطر طاقم مستشفى الهلال الأحمر لإخلائي بسبب حاجة مرضى آخرين للأسرة والعلاج، فتحصّلت على علاجٍ مقبول، وعدت إلى المستشفى بعدها لإجراء عمليات جراحية ساهمت في استئصال الشظيّة من رقبتي، ولكن دون أن أتمكن من المشي مجدداً، بسبب حاجتي لعلاج تأهيلي متخصّص لا يتوفر حالياً في مستشفيات قطاع غزّة.
* ما هي الآثار التي تركتها الحرب على حياتك الشخصية؟
– قبل الحرب، كنت أعمل حكماً مساعداً، وعملت سنوات في مجال الحدادة، إذ كنت أساعد والدي في مهنته الأساسية، ولكن الحرب سلبتني هاتين المهنتين، فاضطررت – مع الأهل – للاعتماد على المساعدات التي كانت توزّعها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، أو الاعتماد على المساعدات الإنسانية التي تصل إلى غزّة من أطراف مختلفة عموماً. أما الأثر الأكبر للحرب، فيتعلق بفقدان الكثير من زملاء المهنة، والأصدقاء، والأقارب، أبرزهم أختي وزوجها وأولادها السبعة، إلى جانب فقدي ابنة خلال الحرب، كانت قد وُلدت للتوّ، لكنها لم تعش ساعة واحدة في ظلّ عدم قدرة المستشفيات أو الكوادر الطبيّة على تقديم أبسط احتياجات المواليد الجُدد. وعلى مستوى زملاء المهنة، فقد رحل عنّا الحكم محمد دربيّة، والحكم عمر كيلاني، والحكم هاني مسمح، والحكم محمد خطاب، والحكم رشيد حمدونة، وآخرون.. كلهم كانت لديهم أحلام كبيرة، لكنها لم تستمرّ طويلاً.
* كيف تقضي أيامك الحالية مصاباً؟
– من السرير وإلى السرير أقضي معظم أيامي الحالية، بسبب حاجتي العاجلة لعلاج تأهيلي يساعدني على الوقوف مجدداً. الأهل والأصدقاء لم يقصّروا معي خلال فترة إصابتي، ولكن الرجل عموماً، والرياضي خاصةً، لا يطيق أبداً الجلوس دون عمل أو منفعة، وأنا أحد أولئك الرجال الذين اعتادوا على الحركة والسعي.
* ما هي فرصك للعودة إلى المشي أو الركض مجدداً؟
– أمتلك فرصة جيّدة للعودة إلى المشي أو الركض من جديد، لأنني أتمكّن حالياً وبفضل الله ثم الطواقم الطبيّة من تحريك يدي، وقدميَّ بشكل جزئي، لكن بقيت لدي مشكلة في تحريك المفاصل نفسها، ولذا فإن إمكانية عودتي للحياة من جديد ممكنة، شرط أن أتلقى علاجاً بسيطاً تأهيلياً في أسرع وقت ممكن.
* هل ما زلت تحتفظ بحلم العودة إلى الملاعب؟
– في حال توقّفت الحرب سأعود للملاعب من جديد، لأنني لم أتخيل نفسي يوماً دون ملعب أو جماهير أو دون شغف الرياضة عموماً. كنت أجري تمارين مختلفة أثناء ممارستي مهنة التحكيم، تنطلق منذ مطلع الفجر، لأنني كنت هاوياً للركض، بعيداً عن أنه تمرين يساعدني في مهنتي. وكنت أكثر حكّام قطاع غزّة قدرة على التحمّل، وكنت أمتلك لياقة بدنيّة جيّدة للغاية، ورشاقة استثنائية كذلك، وأحلم باستعادة هويّتي هذه. وحالياً رغم “وحشة” الخيمة إلا أنني أطلب أمراً واحداً، وهو أن أسافر للعلاج خارج قطاع غزّة، ثم أعود إليه من جديد. لا أحلم بالعيش خارج غزّة أبداً، وأصرّ على العودة إليها، لأنني لا أعيش دون غزّة تماماً، كما لا يمكنني أن أعيش دون قدمين.

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *