علامات على تلاشي الطفرة العقارية في دبي
لندن، دبي – رويترز: مع تناثر الرافعات في دبي، وتداول المنازل الفخمة بأسعار قياسية، بدأت تظهر في الأفق علامات على أن الازدهار العقاري في الإمارة يتلاشى.
ويتساءل المطورون والمستثمرون والوسطاء في أحاديث خاصة عن مدى السرعة التي يمكن أن تتحول بها واحدة من أهم أسواق العقارات في العام الماضي، وما إذا كان من الممكن استبعاد حدوث تصحيح مؤلم يشبه الركود الذي هز الإمارة في العام 2008.
واتبعت دبي منذ ذلك الحين مساراً لإعادة إنعاش الاقتصاد يرتكز على أملها في أن يحقق نمواً مستداماً. ويشمل المسار خطة مدتها عشر سنوات تعرف باسم (دي33) لمضاعفة الإنتاج وكي تصبح واحدة من أكبر أربعة مراكز مالية في العالم.
ومع ذلك، يظل قطاع العقارات مقياساً رئيساً لنجاحها لأنه يمثل 8.9% من الاقتصاد.
وقال رونان هانان مدير شركة “بروفن بارتنرز” الاستشارية لرويترز: “كون دبي عرضة للتصحيح يكمن في اعتمادها على رأس المال الأجنبي خاصة القادم من الصين وروسيا”.
وأدى الإنفاق الضخم على البنية التحتية، وسياسات ضريبة الدخل السخية، ونهج “الباب المفتوح” للهجرة المعزز بعد جائحة فيروس كورونا، إلى جذب آلاف الأجانب.
وكان الروس أكبر مشترين غير مقيمين للمنازل في الربع الأول من العام 2023، لكنهم تراجعوا إلى المركز الثالث بحلول نهاية العام، وفقاً لأبحاث شركة “بِتر هومز”، وسجل المشترون من الهند وبريطانيا معظم المعاملات خلال العام.
وقالت الشركة: إن عدد المشترين من مصر ولبنان وباكستان وتركيا ارتفع ارتفاعاً ملحوظاً، ما يؤكد الدور المزدوج للمدينة باعتبارها ملاذاً آمناً ونقطة جذب للأثرياء.
وقال حكيم عبد الجواد العضو المنتدب في “كرول” للخدمات الاستشارية في التقييم: إنه رغم تراجع التدفقات الروسية والصينية ببطء، قد يبقي الاهتمام المتزايد من المستثمرين الهنود أي تراجع عابراً وبسيطاً.
انخفاض الأسعار
كشف بحث أجرته وكالة “نايت فرانك” للعقارات أنه تم بيع رقم قياسي من المنازل في دبي بلغ 431 منزلاً بأكثر من 10 ملايين دولار في العام 2023، أي بما يقترب من ضعف مبيعات العام السابق، ويجعل الإمارة أكبر سوق من هذا النوع في العالم.
ومع ذلك، من المتوقع ارتفاع أسعار المنازل في ثلاث مناطق سكنية راقية في دبي، وهي “نخلة جميرا” “وتلال الإمارات” وجزيرة “جميرا باي”، بنسبة أكثر تواضعاً تبلغ 5% في العام 2024، بعد إضافة زيادة بواقع 15.9% على مدار العام المنتهي في أيلول 2023، وفقاً لوكالة “نايت فرانك”.
وقفزت أسعار المنازل خارج تلك المناطق الراقية 19% على مدار العام حتى أيلول، ومن المتوقع أن تنمو بنسبة 3.5% في العام 2024.
وقال ناصر الشيخ المدير العام السابق للدائرة المالية في دبي لرويترز: “ما يقلقني هو حالة الاقتصاد العالمي. نحن منفتحون على العالم وكل ما يحدث في أماكن أخرى يؤثر علينا”.
لكنه أضاف: إنه طالما أن حكومة الإمارات والحكومات المحلية تنفذ خطط تنموية أوسع نطاقاً، سيستوعب السكان الجدد المعروض من المساكن في المستقبل.
وبدا آخرون أقل تفاؤلاً. وقال مصدر بارز من إحدى كبريات شركات التطوير العقاري في دبي: إن أسعار المنازل قد تنخفض بما بين 10 و15% خلال السنوات القليلة المقبلة.
وقال مصدر آخر مطلع على الوضع: إن مالكاً محلياً كبيراً واحداً على الأقل يسعى لبيع العديد من العقارات الفندقية، ومن بينها عقار في منطقة “نخلة جميرا” الراقية للتخلص من المخاطر في محفظته.
وقالت ميراي عزام، رئيسة قسم الاستشارات الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “جيه.إل.إل”: “سيزيد العرض على الطلب إلى حد ما خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة خاصة في الشرائح الفاخرة، لذلك من الطبيعي أن يتسبب هذا في شكل من أشكال التباطؤ”.
وأضافت لرويترز: إن بعض السكان ينتظرون ليروا ما إذا كانت الأسعار ستنخفض لتصبح في المتناول قبل الانتقال إلى مكان آخر.
هل هي قدرة جديدة على الصمود؟
لا تزال ذكريات الانهيار العقاري في دبي العام 2008، الذي أدى في النهاية إلى تقديم أبو ظبي خطة إنقاذ بقيمة 20 مليار دولار، تلوح في الأفق. لكن المحللين يقولون: إن المؤسسات والشركات تعلمت من الدروس المستفادة، وإن خطر تفشي أي انكماش يبدو أقل.
وقال عبد الجواد، من شركة “كرول”: “تعلمت المؤسسات المالية وشركات التطوير الرئيسة في المنطقة من الأزمات الماضية، وأصبحت مستعدة جيداً. يتحول تركيز السوق أكثر نحو الإسكان والبنية التحتية”.
ولا تزال المؤشرات الاقتصادية قوية، إذ سجل مسح أجرته وكالة “ستاندرد أند بورز جلوبال” لمؤشر مديري المشتريات لشهر كانون الأول أعلى قراءة له منذ 16 شهراً، ما يعكس توسع الشركات غير النفطية في دبي بقوة.
وقال فيصل دوراني، الشريك ورئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة “نايت فرانك”: إنه من المتوقع أن تسلم دبي 13 ألف منزل فقط سنوياً على مدى السنوات الست المقبلة، أي أقل بكثير من معدل السنوات الخمس عشرة الماضية والبالغ 30 ألف منزل، ما يشير إلى نقص قد يعزز الطلب.
وبحسب شركة “ألفاريز أند مارسال” الاستشارية، انخفض انكشاف أكبر 10 بنوك إماراتية على العقارات، والذي يقدره محللون بأكثر من 30% خلال الأزمة المالية بين عامَي 2008 و2009، للربع التاسع على التوالي، لينخفض إلى 16.2% في الربع الثالث من العام 2023 من 22.3% في نهاية العام 2020.
ورغم تقليل البنوك والمطورين حجم مخاطرهم، تحذر مصادر من أن آلاف الجهات الفاعلة الأخرى في القطاع أكثر عرضة لتباطؤ ممتد.
ومن بين هذه الجهات، شركات السمسرة في دبي التي ارتفع عددها إلى حوالى 4000 من 1200 في العام 2020، حسبما أشار ريتشارد ويند الرئيس التنفيذي لشركة “بِتر هومز”.
وقالت ثمانية مصادر لرويترز: إن أكبر التهديدات التي يواجهها القطاع العقاري في دبي هي زيادة التضخم بشكل غير متوقع والسياسة العالمية بشأن أسعار الفائدة، والتي لا يمكن التنبؤ بها واتساع رقعة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ولم يتضح بعد التأثير المحتمل لتعطل طرق الشحن الرئيسة في البحر الأحمر.
لكن الاضطرابات الجيوسياسية، مثل الغزو الروسي لأوكرانيا، عادت بالنفع على الإمارة في السنوات القليلة الماضية، ويتوقع البعض أن يستمر ذلك.
وقال المصدر بشركة التطوير العقاري: “ستستفيد دبي دائماً عندما تكون هناك فوضى”.
Average Rating